Topics
اتفق لعزير عليه السلام أن مر على ضاحية من
ضواحي القدس، لما وقع بصره على القرية المدمرة راودته فكرة: هل بالإمكان أن تعود القرية إلى نشاطها
وحيويتها؟ وهل قاطنو القرية، الذين أضحوا
اليوم كأمس الدابر، يستعيدون حياتهم من هذه القرية؟ وتائهاً في هذه الفكرة أسند ظهره إلى الأرض
فباغته النوم وامتد إلى مائة عام، وبعثه الله بعد مائة عام فقال: (( وَانظُرْ
إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ
نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ
أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) (آية 259 سورة البقرة).
وإذا تبحر الإنسان في علم الكون أضاء في داخله
عالم من الإيمان والإيقان وتجلى القلب نورا كما قال سبحانه وتعالى : (( وَإِذَا
تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا )) (آية 2 سورة الأنفال).
إن الخروج من الظلمات، والتحرر من براثن الحزن
والسآمة. وتولي زمام العالم، وإنارة القلب والعقل بالحكم الربانية، وتفهم النظام
الرباني، كل هذه تدفعك إلى تدبر كل ذرة من صحيفة الكون، والقرآن الكريم يتضمن
تفاصيل كل جزء فإن القرآن صحيفة سماوية تحمل إلى كل أمة رسالة الحياة، جامع للحياة
الإنسانية فهذه الوثيقة تهدي إلى طرق يكفل السائر عليها تحويل الذل عزرا والهزيمة
انتصارا، والضعف قوة، والشظف رخاء، والتفرق وحدة، وإن قانون الله سبحانه وتعالى
شامل لكل شيء وجامع لكل أحد فكما يستطيع الإنسان تحضير مادة معينة من وصفة معينة
فكذلك يستطيع وضع أنملته على هدف مخصوص بعد التروي في صحيفة الهداية.
ومما يحز في النفوس أن المسلم تخلى عن منهج
التفكير وأطره على الأساس العقلي والشعري والفكري والجبلي، فاضطر إلى إنتاج طريق
تختنق فيه قنوات التفكير والتدبر، وأي طائفة مخصوصة من المسلمين جعلوا إقامتهم على
درب متعرج غير معبد ولا هدف له إلا مجرد الحفاظ على حياتهم وبينما الصحيفة
السماوية تستحثنا على الاستفادة من الخزائن المدفونة في جوف الأرض والكنوز
المكمونة في قيعان البحر وتأمرنا وتلقننا كيفية استخراج ما تكتنفه الجبال من
المعادن الغالية ولكننا بدورنا بقينا ساكنين لقد امتدت رقعة الران على قلوبنا
وانسدت مسامعنا وأرخيت الأغشية الكثيفة على شاشات أعيننا وجريا على هذا أصبحت
الأمة التي تولت أمانة تسخير الكون صفر اليدين خاوية الدماغ.
وإن غيرنا من خلق الله تعالى لما اهتموا
بالتدبر في المبادئ والقوانين المذكورة في هذه الصحيفة ظفروا بالكرامة واحتلوا
المكانة المرموقة في حقول العلوم والمهن فهم يحلقون اليوم في الجو، وتمخر سفنهم
وبوارجهم عباب البحار، ويبدو وكأنهم يتحكمون في الرياح، وكأن الأنهار والبحار
خاضعة لهم، وكأن الكنوز الكائنة في جوف الأرض رهينة بإشارتهم، ولقد تعودنا اليوم
الإصغاء إلى صوت يأتينا من آلاف الأميال في أقل الكسور الزمنية، وكل هذا وذاك يرجع
إلى أن الأمم غير الإسلامية ألزمت أنفسها معرفة السر المكمون في الخلق كل شيء يوجد
في هذا الكون والتدبر فيه فهم ليسوا
غافلين عن العلم الإبداعي ولذا أضحى التطور تحت سيطرتهم المطبقة.
ويالها من مأساة أن غيرنا هم أمناء كل التطور
وبقينا بحيث أصبح كل دمار وذل وفضيحة شعارا لنا وعلامة، ولماذا كل هذا؟ لأن
الناطقين باسم الإسلام والطبقة المستنيرة من المسلمين قد وضعوا في أعناق الوعي
والفكرة سلاسل وأغلالا تحقيقا لمصالحكم الخاصة ولقد خاطب الله تعالى رسوله صلى
الله عليه وسلم: (( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ
الْخَلْقَ )) (آية 20 سورة العنكبوت).وقال : (( أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى
الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ،وإلى السماء كيف رفعت ،وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ
نُصِبَتْ ،وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ،فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ
)) (آيات 17 – 21 سورة الغاشية).