Topics
يا صاح:
اعترف بذنبك على عتبة خالقك عز وجل وانفجر أمامه في البكاء وعد نفسك عاجزاً
مكتوف اليدين أمام ربك الغفور الودود ستار العيوب وغفار الذنوب، فالعجز والتواضع
الذخيرة للمذنب، ولا تقدم إلا إلى الله تعالى، وإن قدمها أحد أمام من هو عاجز مثله
فهذه الذخيرة تتعرض للضياع، ويتسكع مقدمها في المتاهات ذيلاً مستهاناً به، وتتحول
لوامع عزه إلى دجى ذل.
فالتوبة عبادة ينفي بها العبد شخصه ويناجي ربه
عز وجل بما لا يناجي به غيره، فالله تعالى هو المهيمن علينا وولينا الذي يغدق علينا
سحائب رضوانه، ولقد قال تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ
يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ
لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا)(آية 58 سورة الكهف).
(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ
عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) (آية 25
سورة الشورى).
والمنهج الفكري الصائب هو أن العبد مهما
تعاظمت ذنوبه وتفاقمت أخطاؤه فإن عليه أن يندفع إلى عتبة ربه عز وجل الغفور ويقدم
له دموع ندمه في كل مسكنة وضراعة وإخبات وتذلل، وليس هناك باب يخرج منه الإنسان
بكل ما يروم اللهم إلا باب ربه عز وجل الذي يقدر على انجاز أمانيه وتحقيق رغباته
ولو بلغت ما بلغت والله تعالى قد سخر كل شيء في خدمة عباده، وتوفر وسائل العبد
والنقص والزيادة التي تطرأ عليها، ومرضنا وعافيتنا كل هذه الأمور ترجع إلى الله
العلي القدير.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا
إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ
سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) (آية 8 سورة
التحريم).
وإذا هوى العبد في هوة سحيقة من سيئاته ثم
أناب إلى ربه عز وجل نادما على ما أسلفه وباكياً على ما ارتكبه من الخطايا ثم أوثق
لربه عز وجل المواثيق من جديد وأخبت له بكل ضراعة وأذرف من عينيه ما يغسل كافة
ذنوبه فهو ما يسميه القرآن بالتوبة، وتلك التوبة إنما تأتي مفتاحاً لحل كل المشاكل
وتفادي كل الأحزان والهموم المستقبلية.
وعلى العكس من ذلك فإذا لم يحفل العبد بما
يصدر منه من الخطأ والزلل فإن هذا العمل الممقوت يلوثه من الداخل ويسبب له المخازي
في الدنيا والآخرة، وإذا أحدق به هذا العمل واستمر عليه بات ممن ختم الله تعالى
على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم، وهذا العذاب يتراكم على
ذهنه وفكره في أشكال القنوط والبؤس والذعر والخوف.
وقال الله تعالى في سورة الشورى (آية
30): (وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)
والقرآن حيث يضع الإصبع على المرض يصف العلاج
أيضاً بقوله: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) (آية 31
سورة النور).
فالقوم الذين تتفشى فيهم الخيانة والغدر يجثم
على صدورهم خوف العدو ويتعرضوا للوساوس والخزعبلات، ومهما بدا التطفيف والاحتكار
والتهريب خلاباً جميلا فإن عاقبته وخيمة وهي المجاعة والجدب.
فارجع إلى ربك عز وجل منيبا
إليه ومستغفرا منه وتأكد أنك لن تستريح إلا بعد القضاء على هذه الظواهر الشائنة من
جسم الملة الإسلامية.