Topics
إن فناناً داخلته فكرة إعداد صورة حسنة، فهام
على وجهه في المدن والقرى أحقاباً طويلة، وإذا ببصره يقع يوماً على ولد جميل
للغاية، لونه أبيض، وعيناه نجلاوان في حياء، وبدنه رشيق في ليانة، وجبينه لامع في
رحابة، ويداه ورجلاه ناعمتان في لطافة، فسره منظره وأطلق صرخة عالية بالظفر بصورته
المطلوبة، فرسم بفرشاته صورة الولد وعلقها في الأستوديو وكتب تحتها بالأحرف
الكبيرة: ((الصورة الحسنة)). وبعد برهة داهمته فكرة رسم السيئة، فخرج لسبيله
من أجل تحقيق الهدف وتسكع طيلة عشرين عاما ووقع بصره على ملايين الوجوه وبعضها
أبشع ما يكون، ولكنه لم يقتنع بكل ذلك، ويما رأى وجها عجيباً ملأ قلبه كراهية
واشمئزاز صاح بملء حنجرته: ((وجدت الصورة،
وجدت الصورة السيئة)).
وهذه الصورة الثانية علقها –هي الأخرى- في
الأستوديو، وكانت الجماهير تتردد عليه، فارتاد رجل الأستوديو وقام مدهوشاً أمام
هاتين الصورتين وفاضت عيناه، ثم ودع الصورة قائلاً: ((كلتاهما صورتاي)).
وهذا كما قال تعالى في محكم تنزيله (( فَمَن
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ،وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
شَرًّا يَرَهُ )) (آية 7، 8 سورة الزلزلة)).
وقال تعالى أيضاً: (( وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ، كِتَابٌ مَّرْقُومٌ )) (آية 8، 9 سورة
المطففين).
ثم قال: (( وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ
،كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ))(آية 19، 20 سورة
المطففين).
أي كل تصرفات الإنسان، مهما دقت أو جلت، يجرى
تسجيلها في الأشرطة، وقال الله تعالى في صراحة: ((لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ
الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ
أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ،وَالَّذِينَ كَسَبُواْ
السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم
مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ
اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ))(آية 26، 27 سورة يونس).
إن النظر في هاتين الآيتين تريك بكل وضوح أن
الوجوه إنما هي مؤشرات لأعمال الإنسان الحسنة منها والسيئة، وأن طبيعة عمله تنطبع
على صفحة وجهه.
وعلماء النفس يعرفون أن الإنسان مركب من
أنوار، وهذه الموجات النورية تشع من ذاته بحيث لا يشعر بها أحد، وربما يقابلنا وجه
يسرنا فنغرم به. وربما يقابلنا وجه نستوحش
منظره ونفر عن الموجات الخارجية منه ونفضل انصرافه عن أمام أعيننا بأقرب فرصة
ممكنة.
والذين تستنير قلوبهم بنور الله تعالى ،وتحتل
ثنايا عقولهم عواطف الإخلاص والإيثار والحب والعفاف وخدمة الخلق فإنما ترى وجوههم
–هي الأخرى- رائعة المنظر بريئة نقية أخاذة بمجامع القلوب، وعلى العكس منهم فإن
الذين يرتكسون في بؤرة الجريمة والإرهاق النفسي ترى وجوههم خشنة متصلبة يابسة جافة
توجد انطباعا سلبياً ينفر الزائرين له عن القرب منه.
تعال فلنلق نظرة على صورتنا كيف هي؟
بعد الانتهاء من كل شغل شاغل وقبل الذهاب إلى
غرفة النوم يجب عليك أن تقوم في وجه المرآة وتغمض جفنيك لدقائق قلائل وتتصور أن كل
التفاصيل المرتبطة بأعمالك موجودة في داخلك وأنك تشاهد تلك التفاصيل المسجلة أو
الأفلام الموجودة في داخلك، ثم تفتح عينيك وتركز البصر على المرآة فإن وجدت وجهك
متلألئا بريئا تعلو ملامحك البسمة فلا يداخلك ريب في أنك الصورة الحسنة، وإن وجدت
وجهك واجما جافا تطغى عليه مشاعر الازدراء والكراهية ومعالم الكبر والتحفظ ويسوءك
النظر إلى وجهك فتأكد من أنك الصورة السيئة.
ومن القوانين الطبيعية أن كل عمل يقوم به
الإنسان يجري تصويره بالأشرطة وتبدو أفلام أعماله على شاشة وجهه، فالأفلام التي
سجلها كتاب الملائكة، تجري على الوجه الإنساني، أو لم تتفق لك رؤية رجل منكوب
بالكوارث ومثقل بالأعباء الجسام ومطحون تحت رحى الحوادث كيف تنطبع على وجهه كل هذه
الآثار؟ وكم شاهدت رجلاً مهموماً اتخذ طريقة إلى نادي للظرفاء وإذا بالجو كله تحول
إلى الكآبة والقلق،ومع ذلك فإن الدنيا لا تخلو من رجال طيبين أصفياء يملأ وجودهم
المكان بهجة وانبساطا وطمأنينة قلب ورباطة جاش كما قال الله تعالى في سورة آل
عمران آية 106، 107 (( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا
الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ
الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ،وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ
وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )) .
