Topics
إن لفظ إبراهيم مركب
من الأب و الراحم معناه الأب الراحم أو الأب الرحيم المشفق.
و كان مات أبو
ابراهيم "نارح" في عهد صباه و قام بتربيته و نشأته عمه آزر. و كان آزر
صانع الأصنام و كان يعبد الرؤساء و السلاطين ما يصنعها من الأصنام ولذا لقب
ب"آذر". و في اللغة الكلدانية أن آدر يدعى به العابد الأكبر أو محافظ
المعبد. و قد ذكره القرآن باسم آذر و بما أن الأب و العم كلاهما يُطلَقان على الأب عامة لذا استخدم القرآن لفظ
"أبيه".
ولد أبو الأنبياء
سيدنا إبراهيم عليه السلام في مدينة قديمة للكسديين "اور". وهي كانت مدينة عامرة على شاطئ نهر فرات في
العراق الجنوبية قبل بابل و نينوا. و يشتهر مكان وقوعها اليوم باسم "تل
أبيب". و كانت تعبد النجوم في تلك البلاد كما أن الأرواح أيضا كانت جزء
عقائده و هم كانوا يؤمنون بالله تعالى ولكنهم كانوا يعدون النجوم شركاء في
الألوهية الربانية.
و كانوا يعبدون
الأصنام في ثلاث أوقات. و كان القوم
يعتقدون أن روحا موجود في كل نجم. والأرواح تكون صالحة و سيئة كلتيهما. و كانوا
يظنون أن الأرواح السيئة تفرح إذا تقدم إليها النذور و الأرواح الصالحة ترضى
بالرقص و الموسيقى والعشرون من الأصنام كانت موضوعة في المعابد و كان هناك صنم لكل
حاجة فكان للشفاء صنم و للمرض صنم و للمطر صنم آخر.
إن فرقة مشتركة
لمتحف بريطانيا و جامعة فلادلفيا اكتشفت آثار هذه المدينة . و طبقا للألواح
المكتشفة هناك قد وجدت أسماء خمسة آلاف صنم و كان صنم محافط لكل مدينة تليق بأكثر
الأحترام و التقدير من الأصنام الأخرى. و كان القمر إله "أور" كما كان الشماش (ملاك الشمس) محافظا للعاصمة. و
ملاك الشمس كان يزعم أنه ابن الملك. و كان الناس يعطون إلى المعابد من الحبوب و
الأشياء الأخرى مع مكاسبهم الخاصة. و كانت الحدائق و البيوت الأراضي وقفا للمعابد
و كان حكم العابد الوثني يُعتَقَدُ أنه حكم إلهي. و كان الملك يُعبَدُ. و كان
الناس يسجدون في البلاط الملكي. كان الملك رأى في المنام قبل ولادة سيدنا إبراهيم
عليه السلام أن نجما كبيرا منورا للغاية يتلألأ في السماء. فسأل الكهاة عن تعبير
منامه فقالوا إن ولدا سيولد في المملكة في هذا العام. و يكون خطرا للمملكة. فحكم
الملك بأن لا يختلط الرجل و المرأة و إذا كان يولد ولد فيقتل بحكم ملكي.
و وفقا للروايات أن
والدة إبراهيم عليه السلام كانت محجوبة في كهف خارج مدينة "أوشه" و ولدت
هناك أبراهيم و قضى عهد طفولته هناك. و لما بلغ سن رشده وجد الناس حوله يعبدون
الأوثان و النجوم في كل مكان. كما رأى أن أباه آزر يصنع الأصنام بيده و يفعل بها
ما يشاء ثم توضع الأصنام على صفة مرتفعة و يأتي إليها الملوك و الرؤساء يسئلونها
عن حوائجهم و يسجدون لها. وكان يتفكر دائما لماذا يسجد الناس لمثل هذه الأصنام
التي ليس لها حس ولا حركة . وبما كان قلب إبراهيم عليه السلام منورا بنو ر فراسة
الرب تعالى اعتقد أن الأصنام لاتستطيع أن تسمع و لا ترد على سؤال أحد و كذلك لا
تنفع و لا تضر.
فسأل أمه يوما:
يا أمي من ربك؟
فأجابت الأم أن أباه
هو ربها لأنه يعطيها الرزق و إياه.
فسأل إبراهيم من رب
أبي.
فأجابت الأم أن النجوم
المتلألأة في السماء هي رب أبيكم. ولكن
الابن إبراهيم لم يطمن بجواب أمه فسأل مرة ثالثة:
يا أمي ما هي
النجوم؟
قال تعالى:
فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي
فلما أفل قال لا أحب الآفلين ﴿٧٦﴾ فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي
لأكونن من القوم الضالين ﴿٧٧﴾ فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم
إني بريء مما تشركون ﴿٧٨﴾ إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين
﴿٧٩﴾ وحاجه قومه قال أتحاجوني في اللـه وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به
إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون ﴿٨٠﴾ سورة الأنعام : 77 – 80)
ينكشف من مطالعة الفطرة
الربانية أن الله تعالى نسب عمل إبراهيم عليه السلام إلى نفسه و قال:
"وكذلك نري إبراهيم
ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ﴿ سورة الأنعام : ٧٥﴾
و كان عمل التفكر جاريا في
ذهن إبراهيم عليه السلام فتفكر غاية التفكر فأدرك أن الشيء الذي لا يستطيع التحرك
بنفسه كيف ينفعنا و يضرنا وإن إبراهيم كان لا يعتقد أن الاصنام لاتستحق بالعبادة .
و إنه كان يتفكر في أنه كيف يجري نظام هذا الكون العظيم؟ وكيف يتحرك كل شيء تحت
نظام مستحكم مضبوط ومن الذي يطلع الشمس في وقت محدد و من الذي يغير نور النهار إلى
ظلمة اللي؟ و من الذي ينبت الزهور الأثمار على الأشجار ؟ و من الذي كل شيء و فرد
من الكون يتحرك في دائرته و محوره على إشارته ؟
و ما أحكم هذا النظام بأنه
ليس من خلاف و لا خلل فيه و كذلك لا يتعارض نظامه مع نظامه الآخر.
لما علم آذر أن
إبراهيم عليه السلام كان يخالف الأصنام و النجوم التي يعبدها و يعبد الناس كلهم في
عصره و مصره فسأله :
"قال
أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم؟ "
و استفسر إبراهيم عليه السلام عندما رد على
سواله وسأل:
يا
أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا؟
(سورة مريم : 42).
فقال إبراهيم عليه السلام:
"يا
أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا"
ولما سمع ذلك آذر فثار غضبه و قال:
"أراغب
أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا؟
و أجابه إبراهيم عليه السلام تعريفا لله
الذي هو الواحد الصمد لا شريك له:
" قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون ﴿٧٥﴾ أنتم وآباؤكم الأقدمون ﴿٧٦﴾ فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ﴿٧٧﴾ الذي خلقني فهو يهدين ﴿٧٨﴾ والذي هو يطعمني ويسقين ﴿٧٩﴾ وإذا مرضت فهو يشفين ﴿٨٠﴾ والذي يميتني ثم يحيين ﴿٨١﴾ والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ﴿٨٢﴾ رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين ﴿٨٣﴾ (سورة
الشعراء)
و غضب آذر من كلام إبراهيم عليه السلام و
جعل يهذي:
و قال لإبراهيم عليه السلام:
واهجرني مليا (سورة مريم 46)
قال
سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون اللـه وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي
شقيا (سورة مريم:47)
وذات يوم جمع إبراهيم عليه
السلام أشراف قومه و وضع أمامهم بضع أسئلة :
"يا قوم إني بريء مما تشركون،
إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا
وما أنا من المشركين" ﴿سورة الأنعام
79﴾
كان القوم في حيرة للغاية
و لم يستطيعوا الرد على دليل إبراهيم عليه السلام، و بما أنهم كانو يؤمنون بالآلهة
الكاذبة منذ مأت من السنين قد غفلوا عن الحقائق البيضاء المشرقة فجعلوا يحاجونه و
يجادلونه و يخوفونه من غضب آلهتهم الكاذبة و قهرهم. فقال أبراهيم عليه السلام " ليس عندكم الإ الضلالة و أنا لا
أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي ، وسع ربي كل شيء
علما أفلا تتذكرون. و إن آلهتكم لا يستطيعون حفظ أنفسهم فكيف يمكن لهم أن
يحافظونا؟
ذات يوم كان جميع أهل
القرية قد ذهبوا إلى المهرجان الذي كان انعقد خارج القرية و لم يبق أحد فيها
إلا إبراهيم فذهب إلى هيكل الملاك الأكبر
، و كان الناس يظنون أنه سيد الآلهة الكاذبة. فرأى إبراهم عليه السلام أن
الأطعمة و المأكولات والأثمار موضوعة أمام الأصنام و لكنهم كانوا لايأكلون؟ فخاطبهم
إبراهيم و قال:
"هذه
الأشياء موضوعة لكم هنا فلماذا لا تأكلون؟"
و قال إبراهم مرة أخرى
يسأل الأصنام :
"إني أخاطبكم لماذا
لا تسمعون و لا تجيبون؟
فكسر إبراهيم عليه السلام
الأصنام كلها بالفأس و لما فرغ من عمل الكسر علق الفأس بالصنم الأكبر و رجع إلى
البيت.
ولما عاد الناس إلى بيوتهم
من المهرجان وجدوا أصناهم منسكرة فبعضها كانت مفقودة الرأس و بعضها مفقودة الرجلين
أو الأذنين و لم يكن واحد من أصنامهم ساملة. فدهش الناس و وغضبوا و تحيروا و جعلوا
يصيحون وقال بعض الناس إننا سمعنا إبراهيم يسب أصنامنا فلعله قام بذلك. ولما بلغ
ذلك إلى الملك نمرود فجمع الكهنة و الأشراف و دعا إبراهيم إلى البلاط الملكي إلى
حضرة أشراف القرية فدخل ابراهيم عليه السلام البلاط الملكي ووقف أمام الملك ولم
يبال بآداب البلاط الملكي.
دهش أشراف نمرود من عمله
هذه و سألوا:
أجاب إبراهيم:
"إن
الفأس كان معلقا برأس الصنم الأكبر فاسئلوه من فعل هذا؟"
فندم الوثنيون و خضعوا
رؤوسهم وقالوا:
"ياإبراهيم! أنت تعرف معرفة جيدة أن الأصنام لاتستطيع
النطق؟"
قال إبراهيم:
"وإذا لاتنطق هذه
الأصنام و لا تدافع عن أنفسها فلماذا تتوقعون النفع و الضرر و ترجون الخير و الشر
منها ، أسفا عليكم بأنكم تركتم خالق الكون الحقيقي و تعبدون الآلهة الكاذبة أفلا
تتفكرون أفلا تعقلون؟؟"
و كان خطاب إبراهيم عليه
السلام مؤثرا للغاية حتى أنهم لم يجدوا سبيلا للرد عليه و خافوا أن قصور عقائدهم
ستنهدم حالا. و بما أن نمرود كان عاقلا فهيما سأل إبراهيم عليه السلام:
"يا
إبراهيم لماذا تخالف دين آبائك؟ و لماذا تنكر ألوهية هذه الأصنام ؟
قال إبراهيم:
"إن الله تعالى هو
خالق الحقيقي الوحيد للكون كله ، و نخن الخلق له وحده ، و الأصنام التي مصنوعة من
الخشب و الحجر لا تليق بأن تكون آلهة لأنها لاتستطيع حفظها و لا صيانتها بأنفسها ،
و إنما يليق بالألوهية من لا يحتاج إلى شيء بل كان الخلق كله يحتاج إليه"
قال نمرود:
"ولو
كان هناك إله غيري؟ فصف شيأ له لايوجد في نفسي؟"
قال إبراهيم:
قال نمرود:
و دعا أسيرا قضي على
إعدامه فعفا عن عقابه و دعا رجلا بريئا من الحشد و أمر بأن يقتل على رؤوس الأشهاد.
قال إبراهيم لنمرود:
كل شيء من الكون يحتاج إلى
ربي فإن الشمس تطلع من حكمه من المشرق كل يوم و تغرب في المغرب، فإن كنت ربا فأت
بها من المغرب."
قد بذر تكذيب عقائد الملك
و الزعماء الدينية من قبل إبراهيم بذور الشك في قلوب الناس ولكن قد استولى عليه
الخوف فصاحوا بأعلى صوتهم و قالوا إن إبراهيم أهان آلهتنا و كذَّب دين آبائنا فإنه
يلقى في النار عقابا للذنوب التي ارتكبها.
و للقيام بالعمل على حكم
العقوبة أشعلت النار لبضعة أيام حتى أحرقت الأشياء المجاورة و تركت الطيور الطيران
في الفضاء قرب الناء كما تحرقت الأشجار المتجاورة ثم وضع سيدنا إبراهيم عليه
السلام في منجنيق و رمي به إلى النار.
كان أصدقاء إبليس تفكروا
أن النار ستحرق إبراهيم عليه السلام ولكنهم لم يدركوا الحقيقة أن النار أيضا تابعة
لأمر الله تعالى و إنها لا تستطيع إحراق إبراهيم إلا بإذن الله تعالى فأمر الله
تعالى و قال:
"يا نار كوني بردا
وسلاما على إبراهيم" (سورة الأنبياء : 69)
"و بعد هذه الحادثة
أمر سيدنا إبراهيم عليه السلام بأن يهاجر إلى سيريا. وكان ابن أخيه معه في الطريق
إلى الشام. و كانت أرض سيريا أرضا كان الله وعد بها لإبراهيم و لأولاده ، ولذا
تدعى سيريا بأرض الوعد."
"قال الله تعالى
لإبراهيم أن يرفع بصره و يلقي بصره إلى الشمال والجنوب والمشرق و المغرب من حيث
أنه موجود. لأني سوف أعطيك و جيلك هذه البلاد للأبد ، و سوف أجعل جيلك مثل ذرات
التراب حتى لا يقدر أحد على أن يعدهم ، قم و سر في طول وعرض هذه البلاد لأني سوف
أعطيك ، ثم رحل إبراهيم إلى حبرون و جعل مكانا للأضحية لله تعالى"
(عهد نامه قديم و جديد .
كتاب باب الولادة . باب 13 = آيت 14-18)
و كان بنو كنعان من أولاد
حام بن نوح يقيمون هنا ، و بناء على ذلك أن هذه المنطقة كانت تدعى باسم
"كنعان". و قام إبراهيم عليه السلام ببناء مكانين للأضحية هنا ، و الأول
كان في مقام سكم و الثاني كان في بيت أيل. و طبقا للروايات أن إبراهيم كان تزوج
ابنة ملك سيريا. و هاجر إلى مصر لما وقع الجدب في كنعان و كان هناك دولة فراعنة هيكوكس. و هم كانوا رعاة و ينتسبون إلى
نسل السام ، ولما علم الملك الذي كان من أولاد سام أن رجلا آتى من نسله و جيله فرح
و ابتهج جدا و أكرمه إكراما بالغا. ولأجل التطوير والتنمية في العلاقة بأجداده
القدماء بعث رسالة الازدواج إلى سارة ولكن
لما عرف أنها متزوجة فندم و استحيا ، و بعث ابنته إلى حضرة سيدنا إبراهيم عليه
السلام للازدواج فتحسنت علاقته كما أعطاه كثيرا من الأموال و المواشي.
لفظ هاجرة مشتقة من الكلمة
العبرانية "هاغاز". معناه الغريب ، الهاجر . و لما انتهت آثار القحط في
سيريا رجع إليها مع زوجته سارة و هاجرة و ابن أخيه لوط .
كان ملك مصر قد أهدى إليه
كثيرا من الثور و الأغنام العباد و الجاريات. فامتلك كثيرا من الأموال والمواشي
حتى أعطى لوطا عليه السلام كثيرا منها و أرسله إلى قرية متجاورة لإبلاغ رسالة وحداينة الله تعالى. فأقام لوط عليه السلام قرب
شواطئ نهر اردن من قرى "سدوم" و "عجورة" . و هجر إبراهيم بيت
أيل و غادر إلى حبرون . رغم أن كان عمره 78 سنة ليس له ولد، لذا دعا الله تعالى
بأن يهبه ولدا.
قال تعالى:
رب
هب لي من الصالحين ﴿
سورة صافات: ١٠٠﴾
فبشرناه
بغلام حليم ﴿
سورة الصافات ١٠١ ﴾
وولدت هاجرة ولدا سماه إبراهيم عليه السلام اشموئيل و لأجل كثرة
الاستعمال قد أصبح إسماعيل . و كان إبراهيم عليه السلام يحب اسماعيل عليه السلام
حبا جما حتى لا يريد أن يغيب عن أنظاره ولو للحظة واحدة فكان يحتضنه أو يجلسه على
عاتكه و كانت سارة لاتحب ذلك رغم أن إبراهيم حاول أن ينتهي الخلاف بين زوجتيه سارة
و هاجرة و و تتحد الزوجتان ذهنا و طبعا ولكن لم يكن كذلك.
أمر الله تعالى عبده
المحبوب إبراهيم عليه السلام بأن يهاجر إلى مكة المكرمة مع ابنه الوحيد إسماعيل و
زوجته الحبيبة هاجرة و سماها القرآن بواد غيرذي زرع فلما وصل إلى وادي إم القرى أعطاهما تمرا و ماء
ثم ترك الابن و الأم هناك و بدأ يرحل....من غير أن ينطق بكلمة ...فسألت هاجرة
باضطراب شديد...
"يا
عبد الله المحبوب ! إلى من تؤكلنا في هذا الوادي المهيب؟؟"
قال
إبراهيم : "إلى الله تعالى؟"
سألت
هاجرة : "هل هذا أمر الله
تعالى؟"
قالت
هاجرة : "إذن تغادر ، و إن الله
تعالى سيكفينا و لن يضيعنا"
ولما انتهى ماء القربة و
التمر بدأ الفطيم يبكي جوعا و عطشا. و لم يكن هنا شيء من الماء في الصحراء ، جرت
هاجرة إلى جبل قريب لعلها تجد الماء هناك ولكن لم يكن هناك إلا الصخور و الأحجار ،
ولما خالت أن الطفل سوف يكون وحيدا نزلت من الجبل و رجعت إلى الطفل و كان الطفل
يبكي بكاء شديدا ، و كانت هاجرة أيضا جائعة منذ أيام ولا تستطيع أن تمشي لكن صعدت إلى الجبل في غاية الاضطراب
لكي تنظر إلى قافلة و أو تجد هناك آثارا للعمران و لكن لم يكن هناك إلا إعصار
للرمل فحسب. ثم رجعت إلى الطفل أيضا. كان الطفل يبكي ، ثم اضطربت هاجرة و طافت سبع
مرات ما بين الجبلين صفا و مروة. ثم عادت إلى ذلك المكان فرأت أن عينا للماء تنبغ
حيث كان الطفل يدلك العقب باكيا .
(وهناك روايات أيضا أنها
لما كانت قائمة في أخرمرة على الجبل تنظر إلى هنا و هناك لكي تجد الماء سمعت صوتا
يقول : ياهاجرة إئتي إلى مكانك. فأتت إلى مكانها فوجدت شخصا يقف هناك و قال :
"أنا جرئيل بعثني الله لنصرك" ثم ضرب جبرئيل جناحه على الأرض فجعلت تجري
عين الماء الحلو.)
شربت هاجرة الماء و أشربت
ابنه أيضا. و كان الماء يجري بسرعة فجعلت طنفا للجدار لكي لا يضيع الماء . و بعد
أيام مرت قافلة بني جرهم و وقفت هناك للماء و استأذنت من هاجرة للإقامة فأذنت
لها بها وباستخدام الماء. و أعطت قافلة
الأشياء المأكولة عوضا من الماء و الإقامة هناك.
ثم بنى أصحاب القافلة بيوتهم حتى أصبح المكان عامرا بالناس تدريجيا.
"وكان
من عهدي بيني و بينكم أن تطعيوني و كل واحد منكم أن يختن أولاده الذكور"
(كتاب الولادة : باب 17- آية – 10)
و ذكر الله تعالى هذه
القصة في القرآن الكريم في الآيات الآتية:
"وناديناه
أن يا إبراهيم ﴿١٠٤﴾ قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين ﴿١٠٥﴾ إن هذا لهو البلاء المبين ﴿١٠٦﴾ وفديناه بذبح عظيم ﴿١٠٧﴾ وتركنا عليه في الآخرين ﴿١٠٨﴾ سلام على إبراهيم ﴿١٠٩﴾ كذلك نجزي المحسنين ﴿١١٠﴾ إنه من عبادنا المؤمنين ﴿١١١﴾ وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ﴿١١٢﴾ وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ﴿١١٣﴾ ولقد مننا على موسى وهارون ﴿١١٤﴾ ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ﴿١١٥﴾ ونصرناهم فكانوا هم الغالبين ﴿١١٦﴾ وآتيناهما الكتاب المستبين ﴿١١٧﴾ وهديناهما الصراط المستقيم ﴿١١٨﴾ وتركنا عليهما في الآخرين ﴿١١٩﴾ سلام على موسى وهارون ﴿١٢٠﴾ إنا كذلك نجزي المحسنين ﴿١٢١﴾ إنهما من عبادنا المؤمنين" سورة الصافات : 104 – 122)
و لو نتفكر في الآيات
المقدسة للقرآن الكريم لنجد أن إبراهيم لما فاز في امتحان الأضحية أكرمه الله
تعالى إكراما بالغا و أجرى هذه السنة المباركة في الأمة المسلمة إلى يوم القيامة
وبشره بالولد الثاني و نبوته أيضا.
وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك
بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ﴿٢٦﴾ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج
عميق ﴿سورة الحج : 26 – 27)
بدأ إبراهيم عليه السلام
بناء الكعبة المكرمة و كان اسماعيل يعاونه ولما ارتفعت جدران الكعبة إلى حد كان
إبراهيم يحتاج إلى سفالة فجعل يقوم على حجر مرتفع و أكمل عمل البناء و هذا الحجر
موجود في الكعبة المكرمة ، مشهور باسم "مقام إبراهيم".
كان اسحق عليه السلام ابنا
آخر لإبراهيم عليه السلام و أخا أصغر لأسمعيل عليه السلام. ولما بُشر إبراهيم عليه السلام بولادة أسحق
عليه السلام كان عمره 100 سنة كما أن سارة عليها السلام كانت امرأة عجوزة ل90 سنة.
و ذكرالقرآن الكريم قصة حول البشارة بولادة اسحق عليه السلام كما يأتي:
و جماعة من الملائكة التي
كانت مامورة بإنزال العذاب على قوم لوط أتى إلى إبراهيم عليه السلام قبل الوصول
إلى سدوم قرية قوم لوط. و كان إبراهيم
عليه السلام سخيا كريما مضيفا للضيوف فقدمهم لحما مشويا و لكن الضيوف لم
يقدموا أيديهم إلى الطعام. فأوجس في نفسه خيفة و دهش لعدم اعتنائه بالطعام. فعرفت
الملائكة أنفسهم بأنهم مرسلون إلى قوم لوط عليه السلام لكي ينزلوا عليهم العذاب و
يبشروه و زوجته سارة بإسحق فتحيرت و تفكرت كيف أن إمرأة عقيمة تلد؟ كما ذكر القرآن
ذلك فيما يلى:
قالت يا ويلتى أألد وأنا
عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب ﴿سورة هود: 72﴾
قالوا أتعجبين من أمر
اللـه رحمت اللـه وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ﴿سورة هود: 73﴾
قالوا كذلك قال ربك إنه
هو الحكيم العليم ﴿30 سورة الذاريات﴾
و في الأصل لفظ اسحق
"ضحق" في العبرانية معناه "الضاحك".
و تزوج إبراهيم عليه
السلام ثلاث نسوة سارة و هاجرة و قطورة.
فولدت الزوجة الأولى سارة إسحق و هو الجد الأعلى لأنبياء بنى إسرائيل عليهم
السلام. و ولدت الزوجة الثانية هاجرة اسماعيل عليه السلام جد خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم.
توفيت سارة عليها السلام في
كنعان و كان عمرها 127 سنة حينذاك. اشترى إبراهيم عليه السلام كهفا مدعوا باسم
مكفيله و حقلا متجاوا له بأربع مأة مثقال فضة و دفن زوجته سارة فيه.
وبعد أن ماتت سارة عليها
السلام تزوج ابراهيم عليها السلام قطورة و
تولد نبي الله شعيب عليه السلام من بطنها و يقال إن إبراهيم مات بعد أن قضى عمره الطبعي ودفن بجنب سارة عليها السلام
في كهف مكفيله. و قام بدفنه ابناه إسماعيل و إسحق عليهما السلام.
و كان من عادة إبراهيم عليه السلام أنه كان
يتفكر في الكون و مظاهره و ذكر في القرآن في سورة الأنعام أنه تفكر في الشمس
والقمر والنجوم للبحث عن الله تعالى كما أن القرآن ذكر شعاره في البحث عن حقيقة
الأشياء الفاعلة في طي كل شيء في سورة البقرة عندما أنه دعا الله تعالى:
"
وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن
قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن
يأتينك سعيا واعلم أن اللـه عزيز حكيم (سورة البقرة : 260)
فقام إبراهيم عليه السلام
بما أمر الله تعالى به فظهرت حكمة الخلق أمامه ، و الطيور الأربعة وصلت إلى
إبراهيم في أشكالها . و كرم الله تعالى
إبراهيم عليه السلام و زوجته و أولاده حتى أنه جعل شعائر الإسلام للأمة المسلمة
الآتية كما أن الأضحية و السعي بين الصفا و المروة و رمي الجمرات كلها من شعائر
الله تعالى و يجب الاتيان به في الحج على الحاج.
تختفي الدعوة إلى التفكر
في الكون في قصة إبراهيم عليه السلام
وتشير إلى أفكار يحملها الأنبياء و أعمال
يقومون بها. و الحقيقة أن الأعمال التي تمت على أسلوب الأنبياء يرافقها رضا الله
تعالى دائما. والأنبياء عليهم السلام شعارهم التفكر. والتصور بالله تعالى يتغلب و
يتسلط عليهم بحيث لايغيب تصوره و لو لثانية واحدة كما أن قصة إبراهيم تفيدنا أن
الذهن هو مأخذ جميع المشاهدات و التجارب و المحسوسات. و جميع الإختراعات تنحصر في
التفكر الذهني و يتسع الذهن و قوته من التفكر في الأشياء و تنكشف الحقائق و تتواجد
الكليات و الجزئيات.
و مما ينكشف من البحوث حول
الذهن الإنساني أن وجود الإنسان ينقسم إلى جزئين ، الجزء الأول يتعلق بأموره
الخارجية و الجزء الثاني يتعلق بأموره الداخلية. و هذان الجزئان يتعلق البعض
بالبعض علاقة أكيدة. كما ذهب علماء الروح إلى أن الأنسان الحقيقي ليست التحريكات
المادية و إنما الإنسان الحقيقي هو الذي لايجتاج في وجوده إلى المادة و لو يتفكر
المرء في قلبه و وجدانه لتنكشف عليه قوى الروح و الإنسان الحقيقي.
إن القرآن و الكتب
السماوية الأخرى ذكرت صفات الإنسان العظيمة و إن الإنسان وفق الكتب السماوية ولو
كان مزيج اللحم و العظم ولكن في داخله قوة عكس القوة الإلهية وإذا يقضى الإنسان حياته وفق سنن الأنبياء
والأولياء عليهم السلام و هداهم تكشف عليه الحقائق غير المظاهر و يلقى الملائكة و
الخلق الذي يغيب عن أنظار الإنسان.
كما أن القانون لو نرى شيأ
لتنعكس الأضواء على الدماغ خلال الأعين ، والعمل الذي نقول إنه رؤية هو علمنا
الباطني أصلا وليست الأعضاء المادية تتحرك للعلم الداخلي بل تكون معطلة ، و كل شيء
نراه ، نرى ما رأى داخلنا و هو "أنا"
و هذا الداخل (أنا) هو الجسم المثالي للإنسان و يمشي في المنام و يقوم بأعمال شتى.
و عمل الجسم الذي يعمل في المنام يعكس
الطراز الايجابي على شاشة الوجود و الأعمال تنقسم إلى قسمين قسم يتم بدون الجسم
الإنساني الترابي كأعمال المنام . و هذه الأعمال لاتتم إلا بتحريك الذهن فلا يتحرك
الإنسان الترابي شيأ من غير إرادة داخلية و تحريك ذهني.
إن "أنا أو معرفة
النفس/داخل الإنسان" هو سجل الكيفيات الداخلية. و "أنا أو معرفة
النفس/داخل الإنسان" الذي قد وضح في تعاليم الأنبياء عليهم السلام قد ذكر في
القرآن الكريم عدة مرات.
وقد تجسس إبراهيم عليه السلام
مرة من ربه ؟ و أين هو؟ و انتقل ذهنه إلى النجوم و القمر و الشمس في سعيه في معرفة
الله سبحانه تعالى.
وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض
وليكون من الموقنين ﴿٧٥﴾ فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب
الآفلين ﴿٧٦﴾ فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي
لأكونن من القوم الضالين ﴿٧٧﴾ فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم
إني بريء مما تشركون ﴿٧٨﴾ إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين
﴿٧٩﴾ وحاجه قومه قال أتحاجوني في اللـه وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به
إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون ﴿٨٠﴾ وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم باللـه ما لم ينزل به
عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ﴿٨١﴾
الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم
الأمن وهم مهتدون ﴿٨٢﴾ وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك
حكيم عليم ﴿٨٣﴾ ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته
داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين ﴿٨٤﴾ (سورة الأنعام : 76 – 84)
كل إنسان في هذا العالم
يعرف معرفة جيدة أن الحياة تجدد في كل حين و آن. و مما تتوسل الحياة لتجديدها هو
الهواء و الماء و العذاء. ولكن يأتي على الإنسان زمان عندما تفشل وسائل التجديد من
الهواء و الماء في تجديد الحياة و تسمى هذه الحالة بالموت. و إذا يقع الموت لا
يجدي الإنسان أية وسيلة من وسائل الحياة و لا يرد عليه الحياة فلو كانت الوسائل
أسبابا حقيقية للحياة لكانت تقدر على أن ترد الحياة فعلم من ذلك أنها ليست أسبابا
حقيقية بل و إنها شيء آخر و قد ذكر القرآن ذلك :
سبحان الذي خلق الأزواج
كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ﴿سورة يس:٣٦﴾
و في ضوء هذه الآية أن
حياة الإنسان لها نوعان من الأسباب ، الأسباب الشعورية و اللاشعورية. و السبب
الأول هو إنكار غير الرب والذي هو الجزء الأعظم لبقاء الحياة ، و الإنسان يجبر على
الأمتثال بهذا الأمر. و إذا نستعرض الحياة الإنسانية كلها نعلم أن نصفها يجري تحت
الشعور و نصفها تحت اللاشعور. و بعد ولادة الإنسان يقضي نصف حياته في حالة عدم
الشعور كما أن فترة النوم في حياة الإنسان هو جزء اللاشعور فلو يجمع الجزئان لكان
الجزء اللشعوري أكثر من نصف فترة الإنسان و ذلك نظام الله تعالى يجري في حياة
الإنسان لا يمكن لأحد أن يذهب خلاف ذلك.
والجزء اللاشعوري هو إنكار
غير الرب و ما يحصل من هذا الجزء هو الوعي الجمساني ولو يكثر الجزء اللاشعوري
فيتيسر له الوعي الروحي و ذكر القرآن هذا الأصل في سورة المزمل:
يا أيها المزمل ﴿١﴾
قم الليل إلا قليلا ﴿٢﴾
نصفه أو انقص منه قليلا ﴿٣﴾
أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ﴿٤﴾
إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ﴿٥﴾
إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا ﴿٦﴾
إن لك في النهار سبحا طويلا ﴿٧﴾
واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ﴿٨﴾
رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ﴿٩﴾ (سورة المزمل : 1- 9)
"نظرا إلى الآيات
المذكورة آنفا أن الإنسان كما يجب عليه إنكار غير الرب من غير شعور يجب عليه إنكار
غير الرب شعوريا للحصول على الوعي الروحي و بين الله تعالى هذا القانون في سورة
المزمل أن إنكار غيرالله تعالى من غير شعور يسبب إلى بناء الحياة المادية كذلك أن
إنكار غير الرب في حالة الشعور و الإحساس تحصل له الحياة الروحية." (لوح وقلم)
الإيقان والاعتقاد عبارة
عن إيمان لايتزلزل في حال من الأحوال. كما أن اليقين هو أساس الدين. و نظرا إلى
المشاهدات و المراتب أن اليقين أو الاعتقاد على ثلاثة مراتب:
الأول: علم اليقين الثاني:
عين اليقين الثالث: حق اليقين.
علم اليقين: لو كان نشأ
الاعتقاد عن شيء خلال البراهين والدلائل بحيث لايبقى أي شك في ذلك يسمى به علم
اليقين.
عين اليقين: ولو أصبح هذا
العلم عن شيء مشاهدة يسمى ذلك بعين اليقين.
حق اليقين: ولو تبينت حقيقة الشيء من خلال البراهين
والمشاهدة يسمى مثل ذلك العلم بحق اليقين.
على سبيل المثال أني قلت
"العنب" و عرفت العنب لك فتيقنت أنه "العنب" فيسمى ذلك العلم
بعلم اليقين.
ثم ذهبت إلى الحقل أو
الجبل حيثما يزرع العنب فرأيت بعينيك قنو العنب و ذقته و وجدت رائحته فإن ذلك يسمى
بعين اليقين.
ولو علمت أن الكروم لماذا
تنبت على العنب و ما هي الصيغ الإلهية تعمل في إيجاد الحلاوة و الحموضة فإن ذلك
العلم يسمى بعلم حق اليقين.
قلت شيأ لك و سمعت ذلك أنه
"إنسان" فأيقنت بما سمعت منى فإنه علم اليقين. ولو حصلت لك خصائص
الإنسان و قبلها شعورك فإنه علم اليقين.
ولو حَصَلتْ لك رموز الإنسان التي ودعها الله تعالى في روحه و التى علمها الله آدم
فإن ذلك يسمى بحق اليقين.
إن إنسانا مثلا يرى صورته
في المرآة فإنه علم اليقين ولو تيقن أنه
يرى نفس صورته في المرآة ولكنه ليس بعارف عن حقيقته و حقيقة المرآة فإنه علم
اليقين. و إن كان الناظر يعلم عن حقيقة المرآة وعكس صورته فيقال إنه حق اليقين.
وكان سيدنا إبرهيم عليه
السلام له ذوق طبيعي للتجسس و الوصول إلى
حقائق الأشياء و كان يسعى لذلك سعيا حثيثا. و كان البحث عن حقائق الأشياء هدفا و
نصب عينيه لكي يشاهد قدرة الله تعالى
الكاملة و مما يتأثر من مشاعر البحث عن الحقائق أنه سأل الله تعالى عن البعث بعد
الموت.
قال تعالى : أولم تؤمن يا
إبراهيم؟
قال بلى ، فإنى أتيقن أنك قادر على كل شيء و
إنما سئلتك لكي أحصل على عين اليقين و حق اليقين مع وجود علم اليقين. يا رب أني
أتمنى أن تريني كيف تحي الموتى؟
قال تعالى: "فخذ أربعة
من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن"
ففعل إبراهيم عليه السلام
كذلك و دعاهن فعادت الأجزاء كلها إلى أشكالها الأصلية الحقيقية.
وإذ قال إبراهيم رب أرني
كيف تحيي الموتى؟
قال أولم تؤمن قال بلى
ولكن ليطمئن قلبي.
قال فخذ أربعة من الطير
فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن اللـه
عزيز حكيم. (سورة البقرة : 260)
و قول إبراهيم عليه السلام
أنه سأل لكي يطمئن قلبه معناه أن المشاهدة ضرورية لطأنينة القلب.
"قالت الأعراب آمنا
قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا اللـه ورسوله
لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن اللـه غفور رحيم ﴿ سورة الأعرب :١٤﴾"
وفق الكلام الإلهي أن
الإيمان لايكتمل إلا بالمشاهدة و القلب هو مركز الشعور. والحواس القلبية تعمل في
الجهتين ، فإن نظر القلب ينظر إلى المغيبات كما ينظر إلى العالم المادي و إذا يقوم
عبد بالنظر إلى الغيب والحضور كليهما فيحصل له درجة اليقين الكامل و إنه معلوم أن
إبراهيم عليه السلام كان نبيا جليلا و أعطي علوما خاصة و ما يشمل من العلوم التي
كان لدى إبراهيم عليه السلام تتعلق بإحياء الموتى يعنى أن الله تعالى قادر على خلق
الشيء في أول مرة كما يقدر على البعث بعد الموت و الخلق بعد الموت و يتعلق علم
اليقين بالحواس الروحية . و إذا يولد عبد في العالم فيعمل الشعور الروحي في
الخلفية و الشعور الروحي مع الشعور الانفرادي أي العقل يريد أن يرى كل شيء عمليا و
الشعور العقلي لا يطمئن إلا أنه يرى الشيء مع ظاهره في الحواس الظاهرية.
وخلال تجربة إحياء الموتى
العملية أمر الله تعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام بأن يأخذ أربعة طيور و يؤنسها
معه لكي يعرف معرفة جيدة و إذا يناديها
تأت إليه عندما تعرف أصواته و الوسيلة الكبيرة للمعرفة هي اسم فرد أو شيء فإن
الإسم يحيط المسمى مع تشخصاته و خصائصه ولذلك أن المسمى يعرف باسمه ولو ينادى بين
المآت و الآلاف. والشيء الآخر الذي ذكر الله تعالى هو أن يؤنس إبراهيم عليه السلام
الطيور فإنه إذا قامت علاقة الحب و الأنس فليذبحها ويجعلها قطعا و يضعها على كل
جبل على حدة ثم يدعها باسم الذي كان يدعوها قبل الموت و إذا يدعوها بعد الموت في
أحسن ما كان يدعوها قبل الموت ستأتي إليه سعيا.
واللمحة الفكرية بأنه لما
انتهت الأحاسيس و الشعور فكيف قدرت الطيور على سماع صوت إبراهيم لما دعاها
بأسمائها و ماهي الأجسام التي لديها حواس كحواس الأجسام المادية حتى أتت عندما
دعاها إبراهيم بأسمائها. و الحقيقة وراء هذا السر أن أرواح الطيور كانت مانوسة بصوت
إبراهيم عليه السلام فلما دعاها عرفت صوته و أتت إليه مباشرة.
الحواس العليا و السفلى
يعنى سجل الأعمال بأسرها. و معناه أن النظام الكوني هو كمثل فلم صنعه الله تعالى و
سجل العالمين من عالم الدنيا و عالم البرزخ و عالم الناسوت و عالم الأرواح و غير
ذلك موجود في هذالسجل فإنه لما ذبح إبراهيم عليه السلام الطيور تفانى وجودها
الظاهري و بما أن وجودها كانت موجودا في السجل الرباني فلما دعاها اجتمعت أعضائها
كلها و عاد الروح فيها ثم أتت الطيور إلى إبراهيم عليه السلام و كذلك نظام البعث
بعد الموت فإن النظام الذي انهدم و انتهى لأجل الموت سيعود إلى حالة أصلية وفق
السجل الرباني. وكل ما فعلناه في عالم
الناسوت محفوظ في السجل الرباني و إذا يعرض الفلم من جديد فتشهد اليد و الرجل و
العين بما فعلت. كما قال تعالى في القرآن:
اليوم
نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون (سورة يس: 56﴾
خواجۃ شمس الدين عظيمي
لقد صدق من قال من كبار الناس إن كل إنسان لابد أن يكون له هدف
لحياته و إلا لايعد من الإنسان مع كونه من ذرية آدم. و مما يجدر بالذكر أن الله
عرف آدم بآدم نفسه و دعاه بكلمة آدم إلى
أن شرفه بعلوم صفاته و أسرار الكون فقال للملائكة بأن يخضعوا لحكمه. وإذا يذكر
الله تعالى التخليق في القراآن يأتي بأنواع من الأمثلة لتوضيح نظام التخليق كما
أنه يقول عن خلق الإنسان:
"ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" (سورة التين )