ليلة الهجرة

في الليلة التي هاجر فيها النبي الكريم (ﷺ) من مكة إلى المدينة كان هناك مسلحون من قريش قد حاصروا منزله وكانوا ينتظرون أن ينام. كانت في حوزة النبي الكريم (ﷺ) أشياء قيمة أُمِّن عليها. فأمر عليا، الذي صدف أنه كان هناك، أن يأخذ شاله وينام في سريره ويعيد هذه الأمانات في الصباح ويلحق به في المدينة. أخذ النبي الكريم (ﷺ) حفنة من التراب وقرأ الآية التالية من سورة يس ونفخ في ذلك التراب ورماه تجاه مسلحي مكة المشركين.

"وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ"                                

 (سورة 36، آية 9)

أعمى الله مسلحي قريش المشركين ولم يتمكنوا من رؤية النبي الكريم (ﷺ) يمر من بينهم. ذكر أنه عندما وصل المتتبعون غار ثور حيث كان النبي الكريم (ﷺ) يختبئ نمت شجرة صبار وفردت أغصانها لتغطي مدخل الغار ونسجت عنكبوت شبكتها وصنع زوج من الحمام عشا في مدخل الكهف ووضعا بيضهما.

تصنع العنكبوت شبكتها باستخدام الخيوط. كل خيط مصنوع من أربع أحبال مطورة من ألف ليفة، أي أن كل خيط من شبكة العنكبوت مصنوع من أربع آلاف ليفة. للعنكبوت أربع آلاف خلية إفرازية وكل خلية تفرز ليفة واحدة. تتصل هذه الخلايا بأربع قنوات تتوج بفتحة واحدة في ذيل العنكبوت لإنتاج خيوط الشبكة. وتكون على هذه الخيوط مادة شبيهة بالصمغ. وتحيك العنكبوت شبكتها باستخدام هذه الخيوط، وتكون هذه الشبكة، رغم هشاشتها الظاهرية، قوية بما يكفي لتحمل عصف الرياح والعواصف.

هندسيا فإن شبكة العنكبوت سداسية وكل جانب لها مساو لقطرها. وأثناء حياكة شبكتها تمر العنكبوت على كل خيط خمس أو ست مرات وكل مرة تضيف خيطا مع سابقه وهكذا يصبح كل خيط مستخدم في الشبكة قويا بما يكفي ليحمل وزنا يصل إلى ثمان مرات وزن جسم العنكبوت. يمكن للعنكبوت أن تظل على قيد الحياة بلا طعام حتى ستة أشهر. ولها ثمانية أعين. وهي تضع ألفي بيضة تحفظها في ثوب ذهبي ناعم. وبإمكانها أن تنتج خيوطا بألوان مختلفة. ويكون كل خيط في شبكة العنكبوت تُسع الخيط الحريري.

يشير القرآن الكريم إلى العناكب بهذه الطريقة:

"مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ." (سورة 29، آية 41)

تظهر الطبيعة إمكانياتها الإبداعية وحكمتها وحرفيتها على أعلى المستويات في صنع الأشياء العادية والتي تبدو بلا قيمة لتترك العقل حائر. يخبرنا القرآن الكريم: "وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ. "                         (سورة 29، آية 43)

كما يخبرنا القرآن أيضا أن الله أعطى لآدم السلطة ليتصرف كوليه. هذا يعني أن آدم يتمتع بالسلطة الكافية للتأثير على الأرض كما يرغب. وبسبب هذه السلطة تخضع كل موجودات الأرض لطاعة الأوامر المعطاة لها. يشير رمي النبي الكريم (ﷺ) لحفنة التراب بعد النفخ فيها وقت هجرته أنه كان يتمتع بسيطرة تامة على كل عناصر الأرص الممثلة هنا في التراب. وعندما رمى التراب عمي الأعداء وفقا لإفادة الله الكريمة. يشير هذا إلى حقيقة أن كل مخلوقات الأرض التي تحدث بسبب عناصر الأرض أصبحت نشطة أيضا.

وبعد دخوله إلى غار ثور كان من الصروري ألا يحدد أعداؤه مكانه وأن يصل بأمان إلى المدينة ليستمر في مهمة حمل رسالة الله المقدسة. وبما أن كل خلق في العالم مكون من عناصر الأرض لذا فقد أصبحت العناصر والنظام المسؤول عن نمو الصبار وحياكة شبكة العنكبوت وإنتاج الحمام نشطة أيضا.

وعندما أسبغ الله ولايته على آدم وعلم آدم الأسماء كلها كان بإمكان آدم أن يستفيد من هذه القوى الخلاقة بصفته وليا ونائبا عن الله في الأرض. والنبي الكريم (ﷺ) هو السبب الأساس لخلق هذا الكون وحامل العلم باسم الله، ومن هنا حدث نمو الصبار وإنتاج بيض الحمام وحياكة شبكة العنكبوت.