Topics
يظن الناس أن
الإنسان عبارة عن كيان من اللحم والجلد، مع أن توجيهات كتب الأديان كلها تفيد أن
الكيان من اللحم والجلد ليس هوالإنسان في الواقع، بل هو لباس الروح. فإذا قطعت
الروح علاقتها من اللباس، عاد اللباس لاقيمة له. فحرقه أوقطعه أو ادفنه في الحفرة،
لن يقوم بالدفع عن نفسه شيئاً.
ومن صفات الروح
الأزلية أنها تتخذ لباسها في كل عالم . فكما أنه تخترع لباساً مكوناً من اللحم
والجلد في هذالعالم ذي الماء والطين، كذلك تتخذ لباساً لها في عالم الأعراف بعد
الموت، ويتصف هذا اللباس بكافة الصفات والصلاحيات التي كانت عليها قبل أن يموت
المرء في هذه الدنيا. فيعرف الناس بعضهم بعضاً فيه، ويدركون ما الفرح و الحزن
والألم؟ كما يفرقون بين من يدخل النار ومن يدخل الجنة .
قال الله تعالى
في سورة الأعراف:
(وَنَادَى
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا
رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ
فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ(44)الَّذِينَ
يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ
كَافِرُونَ، وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ
كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ
لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ
تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ
بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ
تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ
بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ
تَحْزَنُونَ(49) [الأعراف/44ـ 49]
وينقسم الإنس
والجن على طبقتين بعد الموت كما أشار إليه سبحانه وتعالى: العليين (عليا) وطبقة
أخرى: السجين (السفلى) قال الله تعالى :
(وَمَا
أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) [المطففين/8ـ9]
وَمَا أَدْرَاكَ
مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) [المطففين/19ـ20]
الكتاب
المرقوم سجل. وكل ما يأتيه الإنسان في الدنيا
يتم تسجيله في شرائط و أفلام. ولا يغيبن عن البال أن خيالنا وتصورنا وكل
حركة وسكون يتشكل صورة من الصور. وكل ما نأتيه يتحول إلى فيلم في نطاق علمنا.
والدين يقول بقطع يد السارق . فَهَب ْ أننا نسرق، فإن الفيلم بدأ يتكون. فأول شيء
يتكون فيلمه هو أننا ننوي السرقة. ثم أننا نتوجه للسرقة، ثم نمارس السرقة في مكان
كذا، كما أن ردة فعل ذهن السارق يتكون فيلمها. ثم إننا نتصرف في المال المسروق،
وتتعين في ذهننا عقوبة السرق أن عقوبتها قطع اليد، فيتكون فيلمه. وتمام الفيلم
المكون كالتالي: خرج زيد من بيته ينوي السرقة، وسرق مال فلان وفلان، ثم أخِذَ،
وقطعت يده عقوبة لسرقته.
وهكذا ما من عمل
إلا يتكون له فيلم. يرى زيد هذا الفيلم بعد موته، أو نقول: إنه يعرض عليه هذا
الفيلم بنظام خاص. وفي هذه المرحلة يمر زيد بكيفيتين. و ينسى أنه يرى الفيلم.
وخلال مشاهدة الفيلم حين تقطع يده يشعر بألم القطع كما لانملك أنفسنا حين مشاهدة
الفيلم، فنقهقه أوتدمع عيوننا من غير إرادة وقصد حين نشاهد منظر يدعوإليه، أو نخاف
برؤية منظر مخيف.
والكيفية
الثانية بعد رؤية الفيلم أننا نواجه مثل هذا الموقف، ونعاقب بمثل هذه العقوبة.
ونتخيل معه أننا لم نعجز عن الحياة ولولم نقدم على السرقة أو الارتشاء. ولم يغننا
الذين أتينا هذا العمل لنفعهم وهم الورثة ـ شيئاً .
يتكون فيلم
تصورات الثري وعبد الدينار والدرهم وخيالاته وأعماله هكذا : أنني أبخس حقوق الناس،
ويموت الناس، ويحرمون حاجاتهم ويقلقون لأجل هذا البخس والظلم . ويستثقلون حياتهم
للبؤس والمتربة، فإني سيطرت على الوسائل و الموراد. ويرى عبد الدينار والدرهم أنه
ذو مال، يظلم الناس، ويحول حياة الناس وبالاً عليهم، ويعاني الناس الجوع
والفقرلأجله . وأنه السبب في معاناتهم كلها . و يتطلب العدل منه أن يعاني المتاعب
كما تسبب في متاعب الناس ومعاناتهم. فإذا ما يتخيل ذلك وجد نفسه في الفيلم:
مفلساً، فقيراً، قلقا، مضطرب البال، يصرخ، و يصيح، ويهيم على وجهه لهذه المعاناة.
ولامغيث له.
خواجۃ شمس الدين عظيمي
السؤال عن الإنسان حقيقته ونطاق قدراته أصبح
يحتل أهمية كبيرة في هذا العصر العلمي. و العلم بسنة الخلق يفيد بأن ابن آدم يتشكل
آلافاً من التشكلات، وهو فيما يبدو تمثال من طين ، وعبارة عن كيان من اللحم والجلد
والدم والعظم، قائمٍ على الحركات الميكانية. ويعمرداخله عالَمٌ كيماوي بأسره. وإن
حياة المرء تعتمد على الاطلاعات والبلاغات، وليس المرء إلا خيالاً و تصوراً . وكل
حركة صادرة منه خاضعة للخيال والتصور. وإن جميع المآثر في العالم الإنسان يدور
رحاها حول قوة غير مرئية من الخيال والتصور والتخييل. وإن ابن آدم يُلبس الخيالَ
أنواعاً مختلفةً من المعاني، فيتجلي منه كل جديدٍ وحديث من المظاهر.