Topics
يعكس كثيرمن تجارب الحياة وقصصها أن
الإنسان يتمتع ـ إلى جانب الحواس المادية ـ بوسائل العلم والإدراك التي تفوق
قدراتها وصفاتها الحواسَ العادية . ويطلق على وسائل الإدراك والعلم هذه بالنظر إلى
الوضع الذي نجربها فيه يطلق عليها أسماء مختلفة، مثلاً : الحس السادس، والحواس التي تكمن وراء الإدراك (Extra
Sensory Perciption) والوجدان والضمير والصوت الداخلي والطيران الروحاني وما إلى
ذلك.
ولابد أن يأتي على الإنسان حين من
الدهرتتعطل فيه قوة فهمه وإدراكه. وتعقُّدُ الأوضاع التي تمربه تُعجزه عن اتخاذ
قرارفيما يأتي ويذر، فيطيل النظر والتفكير وإذا هو بفكرة تنزل عليه كالصاعقة
ويخطربباله مالايمت ـ في الظاهرـ سبب إلى ما هوفيه، و يعجزالمنطق الاستدلالي عن
توجيه وتأويله. وتقوى هذه الفكرة قوةً لاتدعه حتى تفعل فعلها فيه، فينفذ الفكرة
وينجو من المشاكل التي تواجهها.
وطالما نسمع قائلا يقول: كان حسي السادس
ينبهني على هذا الأمر، أوكان ينتابني تصور شخص ما مرة بعد مرة دون قصد وإرادة مني،
ثم آل الأمر إليه سواءبسواء.
مثال:
يلم بك خيال قريبٍ من أقرائبك مرة بعد
مرة، وتتعاقب صورته على شاشة الذهن دون سبب يدعوإليه أوعلة من العلل، فتضطرإلى أن
تقول في نفسك: ما السبب وراء ذلك ؟ وربما يصاحب خياله الكيفيات والحالات ، ويترتب
على خياله أثرالفرح والحزن أحياناً ، ثم
يتبين له بعد برهة أوبعد أيام أن قريبه ذاك قد مرض مرضاً شديداً ، أونابه نائبة
الزمان . وربما يتقوى خيال صديق من
الأصدقاء مضى على اللقاء به مدة مديدة، ثم يرن جرس الباب بعد ساعات فيفتح الباب
فإذا هو بذلك الصديق الذي انتابه خياله، وطالما يجمع الناس مجلس من المجالس
يتجاذبون أطراف الحديث فيتطرقون ـ بلا وعي ـ إلى ذكر بعض الناس الغائبين، فإذا هم
على ذلك إذ يدخل عليهم ذلك الغائب البابَ.
والعالم الطبيعي
ينظرفي بعض الأمورثم ينظر ويجرب نتائج التجارب التي تحصلت له ، ثم يتراءى له خلال
البحث والدراسة فكرة جديدة، تشكل أساساً لعلم من العلوم أوقاعدة من القواعد. وقد
يكون هذا الاكتشاف على مراحل وقد يكون وثبة طافرة . والاكتشاف المرحلي يتم عن طريق
ظهوره عروة بعدعروة بحيث لايعتبر أمراغير عادي . وأما إذا كان بصورة فجائية ووثبة
طافرة فإنه يستحيل أن نعتبره من عمل الحواس العادية ، ومن الأمثلة على ذلك العثورُعلى
الهيئة الماليكولية للخليط المعروف بـ
(Benzene)، إحدى فروع
الكيمياء النامية.
وقد واصل الكيماوي(Wolf)
النظروالتأمل ليعرف شكل (Benzene)؟ فإن النظرية الماضية عجزت عن شرحه ‘ فنظر ثم نظرلمدة طويلة دون أن يصل
إلي نتيجة من النتائج . وذات ليلة رأى في المنام أن ستاً من الحيات يعض بعضها على
ذنب بعض . ومن هنا نشأت له فكرة (Benzene). فلما أفاق من نومه عمل على هذا الشكل
وقتله بحثاً ودراسة، وأثبت أن ما رآه في المنام هو شكل( Benzene).
وقس عليه خواص مختلف الأدوية في علم الطب لم يهد إليها إلا الوجدانُ
والإيحاء الداخلي. وكدح الأطباء والاختصاصيون أذهانهم فتنتقل إلى كيماوي مركب أو
داء مفرد أومركب، ثم تجسد التجارب والدراسات هذه الإشارة الوجدانية تضفي عليها
صوراًمادية، وتؤكدها.
والعطاء الشعوري في الفنون الجميلة وغيرها من الأعمال الإبداعية يخضع
للمشاعر اللطيفة. ومن الصعوبة بمكان أن يتدخل العقل في معظم المواد والموضوعات
والأشعار والأفكار، وذلك مما يشعربه
المصنف والمصور والشاعر والمفكر بدورهم، و يطلق عليه "الورود".
والنظرة الغائرة في مراحل الحياة تبين أن حياتنا خاضعة للتعقل والوجدان،
وأن العناصر التي يتطلبها قضاءُ حياة واقعية تتوفر لنا من مكان من الأمكنة. فترد
الأفكار و التصورات إلى أذهاننا مرتبة وواضحة ترتبياً تلقائياً. فتنقضي الحياة
الحقيقية وفقا لذلك . و التجارب التي يحصل عليها الشعور بدءا من الصبا وانتهاء إلى
الموت إنما يورث فهم استخدامها القوي والمتصل مركز آخر.
ومن الممكن مشاهدة الدواعي الداخلية التي تنطوي عليها طبائع الأفراد و
رغباتهم . ويستوحي الشعورمركزيته ورغبته من اللاوعي.فمثلاً تظهررغبات وصلاحيات و
قدرات مختلفة في ولدين من أب واحد. فيولدان في عائلة من الناحية الاجتماعية.
ويتلقيان عناية مماثلة من أبويهما. ويعيشان في بيت وجو مماثلين. ويدرسان في مدرسة
واحدة. ورغم ذلك كله تختلف رغباتهما الشعورية مع تقدهما في السن. فنجد واحداً من
الولدين يرغب في فن التصوير، والآخر يعجبه أن يصبح محامياً. أحدهما ينال مركزاً
ممتازاً و الآخر لايكون إلا طالباً ذي مستوى وسط . ولانستطيع أن نقطع في هذا
الأمربشيء إذا ما ذهبنا نتلمس له أسباباً ظاهرة . ولوسألنا الأطفال عن أسباب
رغبتهم في أمر من الأمور أو حرفة من الأمور لعجزوا عن الرد على ذلك. والحقيقة أن
انطباع اللاوعي يحدد رغبة نقوش الشعور. فتمتاز قدرات المرء ورغباته وعطاؤه بعضها
عن بعض.
وأوضح مثال على ذلك عالم الحيوانات. فالحيوانات والحشرات يربطها شعور قوي
على مستوى الفرد والجماعة. ونحن على علم بأن هذا الشعور لادخل فيه لتعليم و تحصيل كامن وعلمي. فمثلاً صغيرالأوز يأخذ في
السباحة في الماء فورخروجه من البيضة. وزغب الصقر يحمله علم الطيران على محاولة
الطيران مرات وكرات. وكذلك ميل النحلة إلى الأزهار وعلم تكوين العسل يفعل فعله دون
الرجوع إلى معلم يعلمها ذلك. و فن التعشيش في العصفورالصغيرالمسمى بـ "بيا" لم يأت نتيجةَ
تربيةٍ ظاهرة.
والحاصل أن ثمة قوة (agency) تعمل وراء الميكانزم الشعوري.
و الشعور خاضع لهذه الوكالة نفسها فيما يأتي ويذر. والحياة البشرية ظلت تابعة
ومستندة إليها ؛ ولكن الإنسان لايشعربها لعيشه عيشة عادية. وبجانب ذلك تبدو صور
ووجوه لايسعنا أن نصفها بالعادية . فالعقل الإنساني مضطر إلى توزيع الحركات
العقلية في دائرة مختلفة استناداً إلى التجارب والمشاهدات. وإذا كان علم النفس
يتطرق إلى ما وراء الشعور واللاوعي؛ فإن المختصين بما بعد النفس وعلم النفس يعرفون
بالحس السادس، و الصوت الداخلي، وإدراك الحواس (Extra sensory percepion)، ويشرح أصحاب الديانات عقيدة الضمير والوجدان والروح. فالعلم بكافة شبعه
ينص بوجود شخص آخر بجانب الذهن الإنساني، بل وصل الأمرإلى أن الذي لايعتنق ديناً
من الأديان يقرُّ بوجود وحدة وهي الطبيعة (Nature) وراء العقل
والشعور كرهاً.
ولنا أن نقول ذلك بعبارة أقرب فهماً :
إن الإنسان يعمل بداخله دماغين: دماغ
ظاهر ودماغ باطن. وكلما يزداد الدماغ الظاهر ارتباطاً بالدماغ الروحاني عشنا حياة
آمنة مطمئنة، واتسع نطاق شعورنا الداخلي و ازداد استعداداً لقبول البلاغات الصادرة
من الدماغ الروحاني.
وتقوم العلوم الروحانية على أن يتعلم
الإنسان استخدام الدماغ الروحاني أوسع استخدام وأكثره. وتلقي الخيالات وإيصالها
إلى الغير بدون الوسائل المادية (telepathy)
والتعرف على الشيء دون الوسائل الظاهرة (الكشف) وتعديل الخيالات والأشياء بالقوة
الروحانية (التصرف) والعلم بالقواعد الروحانية ، والسير في العوالم الأخرى،
ومشاهدة الجن والملائكة والنظرإلى الجنة والنار وصفات الرب تعالى يستحيل كل ذلك
إلى أن ينشط ويتحرك الدماغ الروحاني.
خواجۃ شمس الدين عظيمي
السؤال عن الإنسان حقيقته ونطاق قدراته أصبح
يحتل أهمية كبيرة في هذا العصر العلمي. و العلم بسنة الخلق يفيد بأن ابن آدم يتشكل
آلافاً من التشكلات، وهو فيما يبدو تمثال من طين ، وعبارة عن كيان من اللحم والجلد
والدم والعظم، قائمٍ على الحركات الميكانية. ويعمرداخله عالَمٌ كيماوي بأسره. وإن
حياة المرء تعتمد على الاطلاعات والبلاغات، وليس المرء إلا خيالاً و تصوراً . وكل
حركة صادرة منه خاضعة للخيال والتصور. وإن جميع المآثر في العالم الإنسان يدور
رحاها حول قوة غير مرئية من الخيال والتصور والتخييل. وإن ابن آدم يُلبس الخيالَ
أنواعاً مختلفةً من المعاني، فيتجلي منه كل جديدٍ وحديث من المظاهر.